الشبكة العصبية هي طريقة في مجال الذكاء الاصطناعي (AI) تُستخدم لتعليم الحاسوب معالجة البيانات بطريقة تحاكي عمل الدماغ البشري. بالتحديد، هي تقنية تعلم الآلة (machine learning) تنتمي إلى فرع التعلم العميق (deep learning) – تستخدم عقدًا (مماثلة للخلايا العصبية) مترابطة ضمن هيكل هرمي يشبه شبكة الخلايا العصبية في الدماغ.

يتمتع هذا النظام بقدرة على التكيف، أي أن الحاسوب يمكنه التعلم من أخطائه وتحسين دقته باستمرار مع مرور الوقت. مصطلح "العصبون الاصطناعي" نشأ من أن هيكل الشبكة يحاكي طريقة تواصل الخلايا العصبية (neuron) في الدماغ.

على الرغم من أن مفهوم الشبكة العصبية الاصطناعية تم تطويره منذ وقت مبكر جدًا (حيث طور وارن مكولوش ووالتر بيتس أول نموذج لعصبون اصطناعي عام 1943)، إلا أن هذه التقنية بدأت تُستخدم على نطاق واسع في مجال علوم البيانات في ثمانينيات القرن الماضي.

اليوم، أصبحت الشبكات العصبية الاصطناعية شائعة جدًا وتشكل أداة أساسية في العديد من الصناعات وكذلك في أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. فهي العمود الفقري لخوارزميات التعلم العميق الحديثة – حيث أن معظم الاختراقات الحديثة في الذكاء الاصطناعي تحمل بصمة الشبكات العصبية العميقة.

هيكل وعمل الشبكة العصبية

الشبكة العصبية الاصطناعية مبنية مستوحاة من الدماغ البيولوجي. يحتوي الدماغ البشري على مليارات الخلايا العصبية المرتبطة بشكل معقد والتي تنقل الإشارات الكهربائية لمعالجة المعلومات؛ وبالمثل، تتكون الشبكة العصبية الاصطناعية من العديد من العصبونات الاصطناعية (وحدات برمجية) مترابطة تعمل معًا لأداء مهمة معينة.

كل عصبون اصطناعي هو في الأساس دالة حسابية (تُسمى عقدة أو node) تستقبل إشارات الإدخال، تعالجها، وتنتج إشارة إخراج تُرسل إلى العصبون التالي. الروابط بين هذه العصبونات تحاكي المشابك العصبية (synapse) في الدماغ البشري.

عادةً ما تتكون الشبكة العصبية الأساسية من هيكل طبقي بثلاثة أنواع من الطبقات الرئيسية:

  • طبقة الإدخال: تستقبل المعلومات من العالم الخارجي إلى الشبكة. تقوم العقد في طبقة الإدخال بمعالجة أولية للبيانات (مثل: التطبيع، استخراج الميزات البسيطة) ثم تمرير الإشارات المشفرة إلى الطبقة التالية.
  • الطبقة المخفية: تستقبل الإشارات من طبقة الإدخال (أو من الطبقة المخفية السابقة) وتقوم بـ تحليل أعمق. يمكن أن تحتوي الشبكة على عدة طبقات مخفية (كلما زاد عدد الطبقات، كانت الشبكة أكثر "عمقًا"). كل طبقة مخفية تستخلص ميزات أكثر تعقيدًا من مخرجات الطبقة السابقة وتنقل النتائج إلى الطبقة التالية.
  • طبقة الإخراج: الطبقة النهائية التي تنتج نتيجة الشبكة بعد معالجة جميع البيانات. يمكن أن تحتوي طبقة الإخراج على عقدة واحدة أو عدة عقد حسب نوع المسألة. على سبيل المثال: إذا كانت المسألة تصنيفًا ثنائيًا (صحيح/خطأ، نعم/لا) فطبقة الإخراج تحتاج إلى عقدة واحدة فقط (تعطي نتيجة 0 أو 1)؛ أما في التصنيف متعدد الفئات، فطبقة الإخراج تحتوي على عدة عقد، كل عقدة مسؤولة عن فئة معينة.

أثناء المعالجة، تُعطى كل وصلة بين العصبونات وزنًا (weight) يعبر عن مدى تأثير الإشارة. كما يطبق كل عصبون دالة تنشيط مع عتبة معينة: إذا تجاوز مجموع الإشارات الداخلة (بعد ضربها بالأوزان) العتبة، فإن العصبون "ينشط" (يطلق إشارة إخراج)، وإذا لم تتجاوز العتبة فلا يطلق إشارة.

بفضل هذه الآلية، تنتقل الإشارات المهمة (ذات الأوزان العالية) عبر الشبكة، بينما يتم تقليل تأثير الإشارات الضعيفة أو الضوضائية.

عندما تحتوي الشبكة على عدة طبقات مخفية (عادة أكثر من طبقتين)، تُسمى شبكة عصبية عميقة (deep neural network). هذه الشبكات هي أساس تقنيات التعلم العميق الحالية. تحتوي الشبكات العميقة على ملايين المعاملات (الأوزان) وقادرة على تعلم علاقات غير خطية معقدة جدًا بين المدخلات والمخرجات.

لكن الثمن هو الحاجة إلى كمية كبيرة جدًا من بيانات التدريب ووقت حسابي أطول بكثير مقارنة بالنماذج التقليدية لتعلم الآلة.

هيكل وآلية عمل الشبكة العصبية

عملية تدريب الشبكة العصبية الاصطناعية

الشبكة العصبية ليست نظامًا مبرمجًا بقواعد ثابتة، بل تتعلم كيفية حل المهام من خلال أمثلة البيانات. تُسمى عملية "تعليم" الشبكة العصبية التدريب (training).

في هذه العملية، تُزوَّد الشبكة بكمية كبيرة من بيانات الإدخال و (عادةً) معلومات الإخراج المرجوة المقابلة، لتقوم الشبكة بضبط معلماتها بنفسها. تستخدم الشبكة الفرق بين نتائج التنبؤ الخاصة بها والنتائج الحقيقية المتوقعة لتعديل الأوزان الداخلية بهدف تحسين أدائها.

بمعنى آخر، بعد كل تنبؤ، تقارن الشبكة النتيجة بالتوقع الصحيح، ثم تعدل الأوزان بحيث تكون التنبؤات القادمة أكثر دقة.

على وجه التحديد، خوارزمية شائعة في تدريب الشبكات العصبية هي خوارزمية الانتشار العكسي (backpropagation). تقوم هذه الخوارزمية بدورة تكرارية: تُرسل الإشارات للأمام عبر الطبقات لحساب الإخراج، ثم يُعاد خطأ التنبؤ بين الإخراج المتوقع والإخراج الصحيح إلى الوراء عبر الشبكة.

استنادًا إلى هذا الخطأ، تقوم الشبكة بتحديث الأوزان - زيادة الأوزان للوصلات التي أعطت تنبؤًا صحيحًا وتقليلها للوصلات التي أعطت تنبؤًا خاطئًا. تتكرر هذه العملية آلاف أو ملايين المرات حتى تتقارب الشبكة إلى حالة يكون فيها الخطأ بين التنبؤ والواقع ضمن مستوى مقبول.

بعد التدريب، يمكن للشبكة العصبية تعميم المعرفة: فهي لا تقتصر على "حفظ" البيانات التي تعلمتها فقط، بل يمكنها تطبيق ما تعلمته للتنبؤ ببيانات جديدة لم ترها من قبل. يمكن أن يتم التدريب بطرق مختلفة (تعلم مراقب مع بيانات معنونة، تعلم غير مراقب مع بيانات غير معنونة، أو تعلم معزز مع مكافآت/عقوبات)، حسب نوع المسألة.

بشكل عام، الهدف هو أن تتعلم الشبكة النموذج الكامن وراء البيانات. وعندما تُدرَّب جيدًا، تصبح الشبكة العصبية الاصطناعية أداة قوية تسمح لنا بالتصنيف، التعرف، أو التنبؤ بالبيانات بسرعة ودقة عالية – على سبيل المثال، خوارزمية البحث في جوجل هي شبكة عصبية ضخمة ومعروفة جدًا في الواقع.

يجدر بالذكر أن هناك العديد من بنى الشبكات العصبية التي تم تطويرها لتناسب أنواعًا مختلفة من البيانات والمهام.

بعض البنى الشائعة تشمل: الشبكة العصبية التغذوية (feedforward neural network - أبسط شكل، تنقل الإشارات في اتجاه واحد من الإدخال إلى الإخراج)، الشبكة العصبية العودية (recurrent neural network, RNN - مناسبة للبيانات المتسلسلة مثل النص أو الصوت)، الشبكة العصبية الالتفافية (convolutional neural network, CNN - متخصصة في معالجة الصور والفيديو)، والمشفر التلقائي (autoencoder - يستخدم عادة لضغط البيانات وتعلم الميزات).

كل نوع من هذه الشبكات له هيكل وطريقة عمل مختلفة قليلاً، لكنها جميعًا تتبع المبدأ العام للشبكة العصبية: العديد من العصبونات المترابطة التي تتعلم من البيانات.

عملية تدريب الشبكة العصبية الاصطناعية

التطبيقات العملية للشبكة العصبية الاصطناعية

بفضل قدرتها على التعلم ومعالجة النماذج المعقدة، تُستخدم الشبكات العصبية الاصطناعية على نطاق واسع في العديد من المجالات المختلفة. فيما يلي بعض التطبيقات النموذجية للشبكات العصبية في الواقع:

الرؤية الحاسوبية: 

تساعد الشبكات العصبية الحواسيب على "رؤية" وفهم محتوى الصور والفيديو كما يفعل الإنسان. على سبيل المثال، في السيارات ذاتية القيادة، تُستخدم الشبكات العصبية للتعرف على إشارات المرور، المشاة، المركبات... من خلال كاميرات المراقبة.

نماذج CNN تسمح للحواسيب بتصنيف الكائنات في الصور (التعرف على الوجوه، التمييز بين القطط والكلاب، وغيرها) بشكل تلقائي وبدرجة دقة متزايدة.

معالجة الصوت:

المساعدون الافتراضيون مثل أمازون أليكسا، جوجل أسيستانت، سيري... يعملون جميعًا بناءً على الشبكات العصبية لـ التعرف على الصوت وفهم كلام الإنسان. تتيح هذه التقنية تحويل الكلام إلى نص، تفعيل الأوامر الصوتية، أو حتى تقليد الأصوات.

بفضل الشبكات العصبية، يمكن للحواسيب تحليل خصائص الصوت (النبرة، اللهجة) وفهم المحتوى بغض النظر عن لهجة المتحدث أو اللغة المستخدمة.

معالجة اللغة الطبيعية (NLP): 

في مجال اللغة، تُستخدم الشبكات العصبية لتحليل وإنشاء اللغة الطبيعية. تطبيقات مثل الترجمة الآلية، الدردشة الآلية (chatbot)، أنظمة الأسئلة والأجوبة التلقائية، أو تحليل المشاعر على وسائل التواصل الاجتماعي تعتمد على نماذج الشبكات العصبية (غالبًا RNN أو بنى Transformer الحديثة) لفهم اللغة البشرية والرد عليها. بفضل الشبكات العصبية، يمكن للحواسيب تعلم القواعد النحوية، الدلالات، والسياق للتواصل بشكل أكثر طبيعية.

المالية والأعمال: 

في المجال المالي، تُستخدم الشبكات العصبية لـ التنبؤ بتقلبات السوق مثل أسعار الأسهم، أسعار الصرف، معدلات الفائدة... بناءً على كميات ضخمة من البيانات التاريخية. من خلال التعرف على الأنماط في البيانات السابقة، يمكن للشبكات العصبية دعم التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية واكتشاف الاحتيال (مثل التعرف على معاملات بطاقات ائتمان غير طبيعية).

تستخدم العديد من البنوك وشركات التأمين الشبكات العصبية لتقييم المخاطر واتخاذ القرارات (مثل الموافقة على القروض، إدارة المحافظ الاستثمارية) بشكل أكثر فعالية.

الطب والرعاية الصحية: 

في المجال الطبي، تدعم الشبكات العصبية الأطباء في التشخيص واتخاذ قرارات العلاج. مثال بارز هو استخدام شبكات CNN لتحليل الصور الطبية (الأشعة السينية، الرنين المغناطيسي، صور الخلايا) لـ اكتشاف علامات الأمراض التي قد يغفل عنها النظر البشري.

بالإضافة إلى ذلك، تُستخدم الشبكات العصبية لتوقع تفشي الأمراض، تحليل تسلسل الجينات، أو تخصيص خطط العلاج لكل مريض بناءً على بيانات جينية وسجلات طبية ضخمة. تساعد الشبكات العصبية على زيادة دقة وسرعة التشخيص، مما يساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية.

>>> انقر لمعرفة المزيد:

ما هو رؤية الحاسوب؟ التطبيقات وآلية العمل

ما هو معالجة اللغة الطبيعية؟

التطبيقات العملية للشبكات العصبية الاصطناعية


يتضح أن الشبكات العصبية الاصطناعية هي الأساس الحيوي للعديد من التقدمات في الذكاء الاصطناعي الحديث. تتيح هذه التقنية للحواسيب التعلم من البيانات واتخاذ قرارات ذكية ذاتيًا مع تدخل بشري محدود جدًا، بفضل قدرتها على نمذجة العلاقات غير الخطية المعقدة بين المدخلات والمخرجات.

من تحليل الصور والأصوات إلى فهم اللغة والتنبؤ بالاتجاهات، فتحت الشبكات العصبية آفاقًا جديدة لم تكن ممكنة من قبل. في المستقبل، مع تطور البيانات الضخمة وقوة الحوسبة، تعد الشبكات العصبية الاصطناعية بمزيد من التطور وتقديم تطبيقات مبتكرة أكثر، مما يساهم في تشكيل الجيل القادم من التكنولوجيا الذكية.

تابع INVIAI للحصول على المزيد من المعلومات المفيدة!

External References
This article has been compiled with reference to the following external sources: